أخبار عاجلة

ابتسامة جدتي _ بقلم دعاء زيان

توفي والدي وانا في العاشرة ، لأول مرة أعيش مع جدتي التي بلغت السبعين منذ بضعة أيام، استقبلت خبر وفاة والدي ابنها الوحيد بهدوء غريب ،لم تنتحب مثل باقي النساء ،رأيتها تقبل جبينه وهي تبتسم وتحدثت بصوت خافت لم اسمعه وغادرت مسرعة ، لم أصدق ما رأته عيناي ،كيف لأم أن تبتسم وهي تري ابنها في كفنه، ومن هنا بدأت في كرهها وايذائها إلي أقصي الحدود،أصبحت مشاكسا ،جالبا لها الإهانة من القريب والغريب، وأصبح الجميع يلومها ويخبرها بأنها كبرت ولا تستطيع تربيتي وتقويمي ،أصبحت كثيرة البكاء وانا في زيادة وهي دائما تردد جملتها الشهيرة( الف طعنة من غريب ولا خبطة واحدة من حبيب) لم أكن أعي ما تقصدة تلك العجوز الخرفة وعن أي طعنات تتحدث ،تقدم بها العمر وهي دائمة الصلاة والسجود لله ، ترجوه الا يجعلها تحتاج لأحد من عباده،تبكي وتطلب لي من الله الهداية وانا لا اتوقف ،أناطحها كلمة بكلمة ،استهزي بها أمام الجميع،وبالرغم من انها من تكفلت بكل شيءمن رعايتي والصرف علي حتي أصبح عمري عشرون عاما ،لم اشكرها يوما، لم أكن أتذكر الا تلك الابتسامة إلي نظرت بها لجثة ابي.
وفي ذات يوم حضر قريب لنا بخبر سيء وهو وفاة اخ جدتي الأصغر، لم تكن تقوي علي النزول فقد تخطت الثمانين ولكنها صممت أن تذهب لتراه لآخر مرة ،وبالفعل ذهبنا ودخلت معها لحجرته لالقاء النظرة الاخيرة عليه ،أمسكت يديها لأسندها ،وبالفعل قبلت رأس اخيها وابتسمت ،هنا كنت سأسبها أمام الجميع لماذا تبتسم الآن ؟،هل هذه المرأة مجنونة؟ولكن قاطعتني وهي تحدثه( الف مبروك يا حبيبي ،رحت لكل الحبايب إلي وحشونا أمانة عليك وصل السلام لماما وبابا ولابني اوعي تنساه، أنا باعته معاه سلام يوم ما راح لكل الحبايب وأفرح انتا رايح لرحمة ربنا متقلقش ربنا كريم قوي وغفور اوعي تخاف، بالسلامة يا حبيبي انا جيالك قريب مش هتاخر، سالت دموعي وانا انظر اليها ، كيف لي أن اظن ان ام تبتسم عن موت ولدها ،تلك الابتسامة لم تكن الا أنين يمزق الضلوع وانا لم أعي ذلك ، لقد تحملت ما فعلته بها كل تلك السنوات وكانت دائما تردد جملتها الشهيرة التي فهمتها الأن فقط انا القريب التي لا تتحمل مني خبطة ،أنا ذلك المجرم.
قاطع أفكاري من بالغرفة وهما يطلبون منا الخروج لتجهيز الميت ،وبالفعل اجلست جدتي في غرفة السيدات وذهبت مع الرجال لحضور الجنازة ،الا انه لم يمر ساعة حتي سمعنا ضجيجا وجاء رجل من عائلتي وطلب مني الحضور ،هرولت إلي الداخل لاجد جدتي علي الفراش وهي مبتسمة وقد ذهبت اليه هي الاخري ولم تتأخر، بدأت في الصراخ لا انتظري انا لم اعتذر ،لم أوضح لك ما فعلته ،لم أطلب منك أن تسامحيني ،والكل يربت علي كتفي ويطلب مني التماسك والدعوة لها بالمغفرة ،يا ليتني سألتها عن سبب تلك الابتسامة ،
يا ليتني أخبرتها عن ما جال بخاطري ولكن لن يفيد الندم الأن فقد فارقتني ولن تعود،سأظل اذكرك في دعائي ما حييت.

عن admin

شاهد أيضاً

جزيفازا- الحلقة الثالثة- بقلم دعاء زيان – جريدة الماس الشرق

ظلت نيرة تتملقني بنظرات حائرة، ثم ربتت علي كتفي في هدوء وقالت_ بابا إيه رأيك …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You cannot copy content of this page