لا أخفيكم سرًا أنني لست من القراء الجيدين (إلا إذا كنت مضطرًا) وتلك أحد نقاط ضعفي الخطيرة ولعلي من القلائل الذين يكتبون أكثر مما يقرءون وهذه لم تكن أبدًا ميزة وإنما هي نقيصة تحتاج المعالجة .. لعله قد يأتي اليوم الذي استطيع فيه التغلب على نفوري من القراءة واللجوء إليها كملاذ يثقل مخزوني القافي واللغوي
الأمر اختلف كثيرًا عندما حصلت على نسخة من المجموعة القصصية (بقايا جيل التسعينات) للكاتبة المبدعة حقًا (بريهان أحمد) .. حكايتي مع هذه المجموعة القصصية غريبة بعض الشيء، فعند حصولي عليها وضعتها جنبًا إلى جنب مع الكتب التي تتخم بها مكتبتي دون جدى ونفع حقيقي بسبب تلك الفجوة التي تحجبني عن القراءة بشغف .. ولكن أتي اليوم الذي تحفزت فيه للقراءة (وهو نادرًا ما يحدث) واخترت هذا العمل لكسر بعض الملل والروتين اليومي وكان الهدف هو تصفحه سريعًا دون الغوص في أعماق تراكيب تلك القصص وأحدثها التي ربما لا أجد فيها ضالتي أو ربما توجعني بعض أحداثها دون جدوى أو تدخلني في تراكيب وأفكار تستهلك من بعض شحنات عقلي التي ادخرها لما هو أهم .. ولكن المفاجأة كانت سارة! لقد بدأت بقصة “الليل مع فاتيما” ووجدتني متوحدًا مع أحداث القصة بشكل ملفت استغربته وكأن فيها بعض التعاويذ التي تربطك بالأحداث ليتقد وجدانك شغفًا فتبحث عما تخفيه الأحداث من أسرار ومشاعر .. الجديد في هذه القصة تحديدًا أنها تسربلت بروح التجديد وكأن كاتبتها الشابة أرادت أن تأخذنا ببراعة إلى عالم هذا الجيل الذي أرتبط بواقع افتراضي وعالم رقمي له نشوته وبريقه على كل ما فيه من فجوات .. التجديد هنا ليس في مشاعر الحب الصادقة ولا التعلق بفكرة أو أميرة الحواديت الخيالية وشيطانة الإلهام.. وإنما هو يتعلق بأمرين في غاية الأهمية (علاوة على الابداع في السرد والاتقان والرصانة في اللغة):
أولها هو الغوص في مشاعر جيل التسعينات بكل التحديات والرقمنة التي فرضت نفسها على توجهات وتطلعات هذا الجيل ..
وثانيهما هو الرقة والعزوبة والتلقائية في سرد الحدث والفكرة .. فحين تقرأ هذا العمل أنت هنا تعيشه بغرابة وكأنك مأخوذ بلا إرادة منتظرًا فاتيما بكل أسرارها وغموضها وتحفظها وتحفذها لصد أي وسيلة للقرب منها .. هنا أنت تعيش مشاعر ومعاناة هذا الجيل المتمثلة في بطل هذه القصة وما يعانية من احتياج للعاطفة البراقة المتقدة التي نسجها عقله ببراعة ووجدها متمثلة في شخص لا يعرف عنه إلا حروفه من خلال ما يسمي (الشات) وهنا يعيش بكل مشاعره ويخرج كل مخزونها بداخله وينتظر اللحظة التي يكمل فيها بوحه لفاتيما في شغف لا نهاية له. كلما أراد أن يخرج من هذه الدائرة المغلقة ازداد تمسكًا وتعلقًا بها وكأنها أصبحت عالمه الافتراضي الخاص الذي نسجه بعقله ووجدانه لنفسه
أنت هنا أمام اشكالية على الرغم من تعقيدها ستحبها وتسعدك وتصدمك ولكن ستخرج منها معافى وقد اختلطت لديك كل تلك المشاعر المتناقضة. هذا التناقض إنما هو تناقض محمود، لأنها ستمنحك الفرصة لتفكر وتمعن في التفكير وفي أثناء ذلك سيحيط بك أريج من المشاعر التي لن تفارقك في لحظات سعادتك وصدمتك بالأحداث التي تمردت على كل ما هو معتاد في السر
“الليل مع فاتيما” هي قصة تكررت أحداثها كثيرًا مع هذا الجيل ومازالت تتكرر، وستمنحك الكاتبة الفرصة الفريدة في أن تعيشها بكل ما تزخر به من دفء وتناقض حتي وإن لم تكن من أفراد هذا الجيل الذي مازال يعاني كثيرًا ويتخبط بين الموروث والحداثة والتسارع المذهل. ومن هنا أبعث بتحية طيبة للكاتبة بريهان أحمد على ما استطاعت ببراعة ودقة عجيبة في سرده بصورة جلعتني أعيش أحلام ومشاعر وتحديات هذا الجيل في صفحات قليلة لكنها كانت تحمل الكثير من المفاجآت لي .. واشكرها على ما منحتنيه من فرصة التوحد مع صراعات ومفاجآت أحببتها كثيرًا برغم ما فيها من غموض وصدمة. هذا العمل في رأيي هو بشرى بميلاد جيل جديد من الكتاب إن اتيحت لهم الفرصة لاحقًا سيكونون معول بناء التجديد والنهوض بالأدب العربي بالشكل الذي يواكب تطورات وتحديات هذا العصر المتسارع المتصارع..
شاهد أيضاً
مبادرة “افتح لقلبك حياة” نوفارتس ومعامل ألفا توقعان اتفاقية تعاون لتمكين مرضى تصلب شرايين القلب من خفض مستويات الكوليسترول
كتب : ماهر بدر المؤسسة العلمية للقلب والشرايين (CVREP): 46% من حالات الوفاة في مصر …