*
اليوم أُريد التحدث عن مشكلة تواجه الكثير منا في الوقت الحالي ، مشكلة مُتفشية كالمرض في المجتمع ككل بصفة عامة ، وتواجه رواد التواصل الإجتماعي بصفه خاصة .
ألا وهي إتاحة بل و إجازة التحرش بجميع أشكاله في وسائل التواصل الإجتماعي من قِبل بعض الأشخاص المشوهون نفسيًا ، ليقينهم بعدم وجود رادع قوي من المجتمع للحد وعلاج هذه الظاهرة ، فمع الأسف رغم وجود رادع قوي تتخذه الدولة للحد ومحاربة هذه المشكلة إلا أننا نعيش في مجتمع يرفض المواجهة والاعتراف بها ويطالب أي أنثى تتعرض للتحرش أن تصمت حتى لا تكن عُرضة للإنتقاد أو التجريح أو الخوض في عرضها وشرفها ، وكأن كل إمرأة تملك حساب تواصل إجتماعي كأنها تمتلك منزل لممارسة الرزيلة ، ومتاحة لكل مُتسول تسوقه غريزته الحيوانية للجوء إليها ، وتغاضوا عن أن الله سبحانه وتعالى لم يخلقنا و يميزنا بعقلنا عن جميع خلقه إلا لننفع به أنفسنا وغيرنا ولنكون قادرين على تطويع غرائزنا فيما حلله سبحانه .
فالدولة مشكورة إتخذت إجراءات صارمة ضد التحرش بجميع صوره وحولته من مجرد جنحة إلى جناية تؤدي إلى الغرامة المالية والحبس .
فحسب قانون العقوبات رقم ٥٨ لسنة ١٩٣٧ ، الخاص بالتعرض للغير والتحرش الجنسي ،فإن العقوبة وفقا للمادة ٣٠٦ قد تصل إلى سنة حبس وغرامة تعادل ١٠٠٠٠ جنيه مصري ، ولكن التعديلات الأخيرة للقانون قد غلظت هذه العقوبة ، إذ أنها لن تقل عن سنتين ولن تتجاوز أربع سنوات حبس مع غرامة أقلها ١٠٠٠٠٠ جنيه ، ولا تزيد عن ٢٠٠٠٠٠ جنيه .
فهاتان العقوبتان لمن يتعرض للغير سواء كان تحرش لفظي أو جسدي أو حتى عبر تلميحات وإيماءات جنسية أو إباحية ، وقد أقروا إدراج مواقع التواصل الإجتماعي ضمن وسائل التحرش ، وقد أقروا أيضا في التعديلات أنه إذا تكرر الفعل من خلال الملاحقة والتتبع ، فتصبح العقوبة حبس ثلاث سنوات على الأقل ولا تتجاوز الخمس سنوات مع غرامة لا تزيد عن ٣٠٠٠٠٠ جنيه ، أما إذا كان المتحرش ذو نفوذ أو سلطة أسرية ، دراسية ، وظيفية ، على المتحرش به. فستضاعف العقوبة إلى الحبس سبع سنوات وغرامة تصل إلى ٥٠٠٠٠٠ جنيه .
فتغليظ هذه العقوبات الهدف منها تحقيق الردع للمتحرش بشكل خاص وللمجتمع بشكل عام ، وللحد من هذه الظاهرة التي أصبحت تُمارس بشكل مبالغ فيه في الآونة الأخيرة ، مما يفقد المرأة الشعور بالأمان لممارسة حياتها اليومية والعملية .
فالتحرش هو سلوك شاذ ومشوه ، من أشخاص مشوهه وغير سويه ،تتحكم فيهم غريزتهم وينساقوا خلفها كالبهائم دون تفكير أو إرادة ، وجب علينا تقويمهم وردعهم .
ولكن مع كامل الأسف رغم حرص الدولة على إتخاذ هذه الإجراءات المشددة للحد من هؤلاء ، إلا إن نظرة هذا المجتمع المتخلف هي ما تساعد على تفشيهم وإنتشارهم ، فالمجتمع هو العقبة الوحيدة لمعالجة هذه الظاهرة المهينة ، فنطالب المرأة بالصمت حتى لا ندع مجال لحديث القاصي والداني ليخوض في عرض وشرف وسلوك المتحرش بها ، ويضع ألف سبب وعذر للمتحرش وأنها هي من أجبرته على ذلك بسوء خلقها وإبراز جمالها أو مفاتنها ، فلا أنكر أن هناك من يُثيروا غرائز الرجال بجميع ما ذكرت ولكننا لا نريد نغض الطرف على أن هناك أُخريات يدفعوا الثمن لذنب لم يرتكبوه فلِما نحاسب الكل على غلطات و هفوات البعض .
ففي هذه الحاله مَن هنا المسئول
الجاني أم المجني عليه ؟
وما هي العقبة التي تواجهنا للحد من هذا المرض المُتفشي الدولة أم المجتمع ؟
فمن وجهة نظري أن أي أنثى تتعرض لأي نوع من أنواع التحرش وتصمت خوفاً من إنتقادات المجتمع أو لأي إعتبارات أخرى تعتبر مشاركة في الجرم ، ولا تقل عن المتحرش في بشاعة الفعل ، فهو إنسان مشوه ، والموافقة على هذا التشوه والمساعدة في إنتشاره وإبتلاء أخريات به دون السعي لتصحيحة هو التشوه بعينه .
فما فائدة تغليظ عقوبة لا يتقدم أحد للإبلاغ عنها لتطبيقها خوفًا من إنتقاد بعض المُتخلفين .
فالحل المتبع من وجهة نظر الكثير على مواقع التواصل الإجتماعي هو الحظر في صمت، وبهدوء، دون إحداث بلبلة وضجة ، وهذا ما يتيح لهم الفرصة للتوسع و الإنتشار بشكل أعمق .
حيث أنهم يتعاملوا بمنهج الصياد يلقي صنارته ، إما بالصور التي تخدش الحياء ، أو بالألفاظ والإيحاءات الخارجة أو بإدعاء الحب بكلمات تُذيب القلوب الضعيفة لجذبها، من ثَم تحقيق غرضه ومسعاه من البداية ، وينتظر إما إلتقاط الفريسة للطعم ، وإما الهرب وحظر وتجنب وتجاهل الصياد ، وتدعه يبحث عن صيد آخر بإستمتاع مريض ومهين .
فلا يحسب أي إعتبار لمشاعرها أو مكانتها في مجتمعها ، أو حتى سِنها ، فكل هذا لا يعيره إنتباه كل ما يشغل تفكيرة أنها تنتهي ب (تاء تأنيث ) بغض النظر إن كانت حيوان أو إنسان المهم هو تفريغ طاقة داخله ويمارسها في الخفاء ، ثم يعود لممارسة حياته الطبيعية كأي إنسان سوي كالشيخ الذي تطهر من نجاسته في الخفاء ثم عاود ليأُم الناس وينشر الفضيلة والنصح والإرشاد .
فمجرد تَخيلي لهذه الفكرة والوضع المشين أشعر بمنتهى الإهانة التي تجعلني أسخط على مجتمع أعطى الفرص لمرضى العقول أن يسلبوا حق إمرأة كرمها الله بشخص ، ليأتي مجتمع يبيحها للجميع بخوف زائف .
فأنا أنثى كباقي النساء أُقابل من هؤلاء بشكل يومي في حياتي بكافة الوسائل ، فمن منكم لم تواجهه؟ ، من منكم لم تواجه زوجته ،أو أمه ، أو أخته ،أو إبنته أمثال هؤلاء .
من منكم لم يجد في صندوق رسائله رسائل وصور وألفاظ تخدش الحياء العام ، وتقتل البراءة في عيون أبنائنا ، دون شفقة أو رحمة ، وتجعلهم في تساؤل عن ما يرون وما طريقة التصرف معه .
فمنذ أيام مضت واجهتني مشكله مشابهة وقررت مواجهتها دون النظر لأي أعتبارات أو أراء بتسجيل فيديو وذكرت فيه إسم وحساب أحد الأشخاص لكي يكون عبرة للبقيه وهو شخص من ضمن أشخاص كثيرون ، وإنتظرت أن أرى رد الفعل من مُحيطي بإستطلاع رأي نحو الفكرة وليس ما أقدمت عليه ، كانت النتيجة إنقسامهم لثلاث جبهات جبهة مؤيدة وجبهة ترفض وجبهة تشاهد من بعيد (حزب كنبة) وهذا الطبيعي .
ولكن ما لفت إنتباهي أن كل من رفض كانوا من الذكور مع تأييد الأغلبية العظمى لما فعلت بنسبة ٨٨ % تقريبا (نعم ) و ١٢ % (لا)
وعندما طلبت ذكر سبب الرفض كانت من أبرز الردود حرفيا:
- كنتي حظرتيه من سكات ليه الشوشرة .
*كنتي سترتي عليه أكيد ليه حد يعرفه أو ليه زوجة . - حد قالك بحبك إيه المشكله مش من حقك تفضحيه دي اهانه
*وانتي ليه تنزلي صورك اصلا هو حر والتارجت اتحقق - ليس من حق أي سيده محترمة اهانة رجل تحت اي وضع
- دي حاجه تجيب صرع لاي واحد لحسن تتعمل فيه .
- يعني احنا بنحاول نشقطكم تقوموا تفضحونا
- فيه حلول كتيرة اشيك من انك تفضحيه قصاد الناس كنتي حظرتيه وتجاهلتيه من سكات .
…….
كل الردود تصب في نفس الإتجاه، وكل شخص صاغها برؤية عقله ليس إلا ، فكل شخص فينا يرى بعين عقله ومعتقداته، وقد أردت الرؤية فقط بعقولهم .
ولكن في نهاية حديثي أريد الرد على بعض هذه الردود تلخيص لما حدث ولأنهي الجدل فيه - الحظر في وسائل التواصل ما هو إلا حجب لرؤية الطرفين لبعض فقط ليس وسيلة لمسح تعليق مسيء أو رد إهانة ستظل موجودة حتى بعد الحظر .
- لماذا أتستر على شخص تجاوز حدوده أمام العلن أهو لديه أهل وأسرة وكرامة وأنا متاحة للجميع وبدون أهل ، الجزاء من جنس العمل ومن أخطأ يتحمل النتيجة .
- أنت حر ما لم تضر والحرية التي تتعدى بها على حرية غيرك تُسمى تطفل وجبت الردع والتوقيف .
- صوري ليست صور خليعه وليست مجال للمتاجرة أو إستعراض أجسام يا معدومي العقول و ضعاف النفوس .
- ( حاجه تجيب صرع لأي واحد يخاف تتعمل فيه )
أعتقد أنه لا يخاف من العقاب إلا من يمارس نفس الجُرم . - ومن حق أي سيدة محترمة بل وواجب عليها إهانة أي شخص يحاول أن يتجاوز حدوده، بأي الطرق تختار وتريد ومن تتقاعص عن ذلك تصبح في نظري تستحق أبشع إهانة وبكل السبل لمشاركتها في نفس الجرم بالتهاون في حقها وعدم إحترامها لنفسها وكرامتها .
- الحظر والتجاهل في هدوء ليست شياكة أو تحضر ، بل خوف وسلبية ونقص عقل ورؤية وموافقة على خطأ يُجرم شرعًا وقانونًا
الساكت عن الحق شيطان أخرس وليس متحضر و عصري وشيك . - ليست كل إمرأة تمتلك حاسب شخصي مجال للتعارف أو الإختيار أو التسلية لإرضاء غرورك أو عشان تشقطهم .
وفي النهاية يجب التنويه أن هذه معتقداتي وآرائي الشخصية ، فأنا لم أطلب من أحد التصديق عليها
وأنا لا أفرضها على أحد ولكني أُلزم بها المحيطين بي ، فكما قلت كل شخص فينا يرى بعين عقله
وهذه عين عقلي ، فعقلي هو ما يكون هويتي ، ووضع حدود صحية حولي هي ما تجعلني أعيش في سلام نفسي في مجتمع يطالب بحرية التعبير والرأي ولا يؤمن بهما .