“
يتعرض الكثير للظلم في حياته وفي بعض المواقف ومن الطبيعي أن نستمع من حين لآخر للشكوى من قسوة الظروف وجبروت الآخرين، على الرغم من أن الأمر نسبي، فما يشتكي ويسخط منه البعض يعد من تمام الرفاهية والنعيم لدى غيرهم. كل هذه التفاعلات طبيعية وهي تزيد أو تنقص تبعا لعوامل أخرى ليست محل حديثنا. ما يهمني الإشارة إليه أن الفشل في إدارة الشعور “الطبيعي” بالظلم مدمر للحياة المهنية، وهو ينعكس في نهاية الأمر على بقية شؤون الحياة الشخصية ويميتها بالسوداوية وقلة الحيلة وضيق المخارج. ارسب في دراستي وانا مظلوم، لم أحصل على الترقية لأنني مظلوم، أعمل ولا يقدرونني، أبدع في القيام بالمطلوب ولا يكافئونني، واستحق..ولا يراني أحد! ومثلها عشرات العبارات التي نسمعها كل يوم من أنفسنا ومن أصدقائنا وزملائنا في أماكن الدراسة او العمل. إضافة إلى ربط الشعور بالظلم من اساتذة الجامعة بطلابهم و بالمديرين وطريقة تعاملهم مع الموظفين فهناك أشكال أخرى للشعور بالظلم تثير هذا الشعور وتعزز منه. من ذلك ما يربط به الشخص بين ممارساته والظروف الاقتصادية التعيسة، أو حظوظه وتاريخ نشأته القديم، أو نصيبه ومكان دراسته اوالعمل الذي وجد نفسه فيه، وكأنه مقيد بالسلاسل ولا يحق له التحرك أو المضي قدما وسعيا خلف الرزق والمعيشة. المشكلة أن حتى من يظن نفسه في منأى عن هذا الإحساس المدمر ينغمر فيه من حيث لا يشعر. هو يبدي الرضا حول مكان عمله ولا يمتعض علنا ولكنه بطل مقاومة التغيير الأقوى داخل منشأته. الباحث عن التغيير لديه مقامر يعبث بتاريخه وربما بمستقبله بعد التقاعد! سيتعرض مصيره للخطر، إذ تشكل جهود قادة التغيير تهديدا لاستقراره وظلما وتدخلا وتخريبا. بالنسبة له، كل الأفكار الجديدة مخاطرة غير محسوبة وما نعرفه أفضل من الذي لا نعرفه ولماذا نغير ما دامت الحياة مستمرة، شك هو: “لا تغير “. ومثل صديقنا بطل مقاومة التغيير هناك المدافع الشهير، الذي يجتهد في كل أموره ويتسم بالمثابرة لكن لا أحد يستطيع أن يواجهه بمشكلاته، فهو لا يحب اللوم ولا يطيقه، لا لوم نفسه ولا لوم إدارته ولا لوم أعضاء فريقه. هو يظن أنه مناضل ومدافع داخل دوائره المختلفة. في حقيقة الأمر هو مجرد موظف لا يجيد الاعتراف بالمشكلات.. ويظن أن الآخرين يستهدفونه ويحاولون تشويه صورته وإلباسه كل الأخطاء والقصور. يعتقد بشكل جدي أن المؤامرة تحيط به وكل الإدارات الأخرى ومن يعمل فيها يحترفون توزيع التهم والظهور بالمظهر الجيد على حسابه، لذا يشعر بالظلم الدائم ولا يقبل أبدا أن يعترف بأي مشكلة ولن نجد أي إجراءات تصحيحية في قاموسه. لماذا يصحح إذا كان الغير أساس المشكلة! تتنوع الحالات ولكن تجمعها المشاعر السلبية المتضخمة التي لا يعالجها الإنكار والتجاهل المباشر.على الأقل فيها جزء حقيقي وصادق، ولكن مشكلته أنه قابل للنمو الخبيث والسريع! أولا، علينا أن نمنح الجزء الصادق من المشاعر الصعبة فرصة الحياة والموت السريع، ونبتعد عما يدفعنا نحو الانفجار والهرب والعصيان. ثم ينحصر بعد ذلك الحل في طريقتنا في التعايش مع الغضب والظلم والقسوة، ويعتمد تماما على مهاراتنا في التحكم في مشاعرنا والسيطرة عليها تجاه الأشخاص والأحداث.
وإن تركنا هذه المشاعر تسيطر علينا يكلفنا أعظم ما نملك، قدرتنا على السعادة وصحة أجسادنا. ناهيك عن الأمور الأخرى ـــ الأقل قيمة ــــ التي نفقدها مع كل لحظة من لحظات السخط والتذمر. الشعور بالظلم يضعف من قدرتنا على تقبل الآخرين ومعايشة الظروف المتغيرة من حولنا وهو بلا شك من أقوى عوائق النجاح. يشترك الشغف والغضب في الحيز نفسه وكلما صنعنا مزيدا من الشغف قل الحيز المتاح للغضب. ومشاعر الظلم بالجسد والألم، وكيف أن مقاومتنا للأمراض تتأثر بقدرتنا على التحكم في المشاعر السلبية التي تنمو كلما ركزنا عليها. ومن يجيد التعامل مع الظلم يحسن لقيام بثلاثة أمور: لا يبالغ في التفكير المطول فيما لا يفيد ــــ فهو ذكي عاطفيا، يعرف الفرق بين ما يسيطر عليه وما لا يسيطر عليه، ويفكر جيدا قبل التصرف. في الجانب الآخر، يبرر “المظلوم” سلبياته بسلوكيات الآخرين ويظن أن نجاحاتهم كانت على حسابه، فيجد لنفسه مع الإحساس بالظلم خدعة صغيرة تستمر بها حياته.