مقالات

★ شتاء الإسكندرية ★بقلم نيڤيان اسكندر -جريدة الماس الشرق

“الشتاء فصل الحنين الأعظم” ،
الشتاء في مدينتي الإسكندرية مختلف
له طابع خاص وهذا يميزه عن باقي الفصول ، “الإسكندرية والشتاء قصة عشق لا تنتهي” ، كل الأشياء تختلف في الشتاء شكل الشوارع البيوت والأسواق ، جميع منافذ المدينة تغلق أيام النوات ، عَلمت الإسكندرية ابناءها السكندريون كيف نتعايش بين الزوابع وبأحضان النوات نحلم بغد أكثر إشراق ، تعلمنا الدندنة على هرير الرياح والاستغراق في النوم أثناء هطول الأمطار ، ورغم أن الرعد يزلزل السماء و البرق يشق الظلام لكننا نعلم أن الغد سيأتي بصباحٍ رباح
تنحدر درجات الحرارة وتثلج الاجواء ، تنهمر الأمطار في كل مكان ، فتفيض أنهار الذكريات ، الطفولة و أوقات الذهاب إلى المدرسة والاحتماء من رذاذ المطر خوفاً من عقاب أمي إذا إبتللنا أو تبعثرت أغراضنا ، أما عند انتهاء اليوم الدراسي فهذا موعد اللهو تحت المطر رغم الخوف من تلقي العقاب ! كنا نمرح سوياً و لا يزعجنا أي شيء .
وذكريات الشباب ومراحل النضج والروايات الرومانسية وشرائط الكاسيت و الأغاني الشبابية ذات الإيقاع السريع والتي كانت حينها غريبة وحديثة ، وأكواب المشروبات الساخنة ونكهة فطائر التمر اللذيذة من يد جدتي وحلوى الموز الشهيرة يشتريها لنا جدي .
آهٍ من الذكريات ….
افتقدنا الأحباء و تلك الطقوس والعادات
التي كانت تجمعنا بهم ، يئن الفؤاد تتعالا صيحات الألم، ألم الفقد شرس ينهش قلوبنا بلا رحمة يخترق جميع حواسنا ، صرنا عبيد للذكريات و بمواسم الحصاد تُقطف من أرواحنا ثمار الآهات اليانعة…
يلتهمها الوقت لتزداد عثرات الأيام ، يهزمنا القدر فنتعايش ببقايا روح ، نلهو على ضفاف الحنين نسبح بين الذكرى الحنونة واليوم الغريب ، يمتزج رحيق الأمس بنسائم الصباح نرتشف نكهات المحبة الدافئة و فتات من لحظات لن تعود تذكرنا بأماكن و أشخاص لم يكن متاح بيننا لقاء ، وفي ليالي الإسكندرية الخلابة يطول السهر ومع كل نوه تهطل الأمطار و معها تهب رياح الشجن محملة بدمعات تحجرت وبحناجر الصمت سكنت في ثبات ، وها أنا أقف هنا خلف نافذتي أشاهد البيوت المبتلة و زخات المطر الغزير وكل النوافذ مغلقة بإحكام حيث لا يتسرب البرد إلى الداخل ألمح بصيص نور و كأن شموع الدفء مشتعلة بمصابيح الحجرات العتيقة ترسل أشعة نور ناعمة زاخرة بالحنان والأمان من وراء تلك الجدران ورغم الصقيع والسماء الملبدة بالغيوم تزهو وريقات الريحان ونوارس البحر تحلق على الشواطئ الخاوية من الناس فهذا فصل الهدوء والتأمل لا صوت يعلو على صوت الأمواج ، كأن البحر أخيراً رجع يتربع على عرشه ملك في مملكته الإسكندرية الساحرة ، من السحر والجمال ترتوي طبيعة الإسكندرية و بشراب معتق يقي من صقيع الفراق وبشاعة القبح والتحديث وطمث روح العراقة والتاريخ ، أشجان الذكريات يوقظها صوت المطر ، نترنم ونعزف الألحان وعلى جدران الحنين ننقش أسماء الغائبين ولا ننسى لحظات كنا فيها نتنفس محبة وننعم بالوفاء والدفء .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى