استيقظت فزعا على صرخات جارتي العجوز مثل كل ليلة في الرابعة صباحا، توجهت إلى أمي وأنا غاضب، وجدتها تصلي الفجر فانتظرت حتى انتهت.
قلت لها: أماه، هل سيظل الوضع هكذا كثيرا؟ كل ليلة أستيقظ على صرخات تلك العجوز.
ضحكت أمي وقالت: حتى تستيقظ فتصلي الفجر يا صغيري، هيا، اذهب وتوضأ وصلّ، وادعُ لأبيك بالرحمة، قلت لها: أريد أن أعرف لماذا تصرخ هذه السيدة بهذه الطريقة المفزعة وفي مثل هذا الوقت؟!
قالت: اذهب للصلاة ثم أكمل نومك ولا تشغل بالك بالآخرين.
-ولكن يا أمي الوضع لا يحتمل، منذ أن جئنا إلى هذا المنزل ولا أستطيع النوم.
قالت أمي: لابد أنه لغز وسيظهر مع الأيام.
لم أوافق على ما قالته أمي ، كاد الفضول يقتلني فبدأت أراقب تلك السيدة لأعرف أي شيء عنها ولكن دون جدوى، كانت تسكن المنزل المقابل لمنزلنا، ترتدي زيًّا قرمزيَّ اللون عند خروجها مرةً كل شهر، بعد أن تغلق النوافذ والشرفات بستائر ثقيلة كي لا يراها أحد.
لم تكن تظهر إلا خلسة، وانقضت سنوات وأنا أفكر في الصرخات التي لا تتوقف في الرابعة فجرا، وأخيرا استجمعت شجاعتي وسألت واحدا من جيرانها في نفس العمارة، فأدهشني بقوله: أنت صغير وليس من الجيد إخبارك بالأمر.
ازددتُ حيرة، حاولت مرة أخرى أن أعرف السبب، لم يكن أمامي سوى بواب العمارة، بمجرد أن سألته حتى سمعت صخبًا، وأصوات تردد “لا إله إلا الله”، ونساء يرددن “إنا لله وإنا إليه راجعون” لقد فارقت الحياة منذ أسبوع، ولم يدركوا ذلك إلا حينما انبعثت رائحة كريهة من شقتها، أبلغوا الشرطة وكُسِرَ الباب فوجدوا جثتها وقد بدأت في التحلل.
جلستُ على الأرض حزينًا، لم أعرف اللغز، ولكني سمعت البواب وهو يتكلم مع جارٍ لي، كان يقول:
-الآن قد استراحت، فمنذ حادث وفاة زوجها وطفلها أمام عينيها منذ عشرين عاما، وتنتابها نوبات من الصرخات، ليس لها أقارب أو معارف، فقط تخرج مرة كل شهر لتقبض معاش زوجها الراحل وهي ترتدي الرداء القرمزي، لون طفلها المفضل.
هنا أدركت أن تلك العجوز كانت وحيدة ومحطمة، ربما لو علمتُ بالأمر مبكرا لأصبحت ابنا لها، ولكنها إرادة الله.